Thursday, February 26, 2015

عن "دواعش" الدولة العربية

خليل العناني

Link
عن "دواعش" الدولة العربية
لا يوجد فارق كبير بين "دواعش" الأيديولوجيا و"دواعش" الدولة، فكلاهما مفتون بالقتل وتعذيب ضحاياه حتى الموت. زيارة سريعة للسجون والمعتقلات، في أكثر من بلد عربي، تكشف كيف تحولت "الدولة" السلطوية العربية إلى آلة كبيرة للتعذيب والقتل، وكيف أصبحت السجون ومراكز الاحتجاز سلخانات، ومقابر جماعية كما سماها الصديق بلال فضل. 
فما الفرق بين اختطاف "دواعش" الأيديولوجيا الرهائن واختطاف الشرطة الشباب والناشطين السياسيين؟ وما الفرق بين "ذبح" الرهائن المختطفين وتعذيب المعتقلين وقتلهم في السجون؟ لا شيء، النتيجة واحدة، وإن اختلفت الوسائل. فكلاهما لا يعير اهتماماً للنفس البشرية، ويمارس عليها ساديته ووحشيته. قبل يومين، تم تعذيب محام فى أحد أقسام الشرطة في مصر، حتى وافته المنية، وهو ما تكرر مع ما يقرب من حوالي مائة شخص آخرين، تم احتجازهم وتعذيبهم حتى الموت في القسم نفسه، خلال الشهور الأربعة الماضية. وفي مصر، أيضاً، ما يقرب من مائتي معتقل سياسي مضربين عن الطعام، منذ شهور، وبعضهم تجاوزت فترة إضرابه عن الطعام أكثر من عام، مثل إبراهيم اليماني ومحمد سلطان. 
يمارس "دواعش" السلطة القتل البطيء للمعارضين، ولا يتورعون عن تهديد الآمنين، ولا يتوقفون عن تشويه المخالفين، ويمارسون كل أنواع الاغتيال المعنوي والشخصي للرافضين. هم أسوأ من "دواعش" الأيديولوجيا، ليس فقط لأنهم يحملون السلاح، وإنما أيضا لأنهم يحتكرون شرعية استخدامه تحت غطاء الدولة وسلطة القانون. ولعل الطريف أن هؤلاء "الدواعش" السلطويين يلومون نظراءهم من "الدواعش" الأيديولوجيين على وحشيتهم وبربرية عملياتهم، في الوقت الذي يباركون فيه الوحشية والبربرية التي تتعامل بها السلطة مع المعارضين، وذلك مثلما حدث في مصر، سواء خلال مذبحتي "النهضة" و"رابعة العدوية" أو في حادثة "عربة الترحيلات" التي تم فيها حرق 37 شخصاً أحياء. 


"دعشنة الدولة" باتت أشبه بـ"فيروس" متغلل في كل المؤسسات. و"دواعش" السلطة موجودون، الآن، في كل مكان، ومنتشرون فى أجهزة الدولة، ومسيطرون على الإعلام بأنواعه كافة. يمارسون كل أنواع التحريض و"الإرهاب" النفسي والمعنوي ضد مخالفيهم، ويحرّضون عليهم علانية من دون حسيب أو رقيب، ويحتفلون بالأحكام القضائية التي تصدر ضدهم، مثلما حدث مع متظاهري "مجلس الشورى" الذين تم الحكم عليهم بالسجن المشدد الأسبوع الماضي. 
بيد أن أسوأ ما يحدث، الآن، هو الانتقال من "دعشنة الدولة" إلى "دعشنة المجتمع". وهي الحالة التي تقوم فيها قطاعات من الشعب، ليس فقط باستمراء وتبرير عمليات القتل والتعذيب والتشويه ضد قطاعات أخرى، وإنما، أيضاً، التحريض ضدهم. وقد وصل الأمر إلى أن أصبح المواطن العادي "داعشياً" صغيراً يمارس نوعاً من "الدعشنة" الوطنية ضد المخالفين والمعارضين، ويتصرف وكأنه يحمل تفويضاً من "الدولة" لممارسة "الدعشنة" والإرهاب ضد الآخرين، وذلك مثلما حدث، قبل شهور، مع الصحافي الفرنسي، آلان جريش، الذي كان ضحية أحد "المتدعشنين" الموتورين. وهو، أيضاً، ما يحدث الآن مع بعض الإعلاميين الذي خرجوا عن "النص"، كما هي الحال مع المذيعة اللبنانية، ليليان داود، التي تتعرض لحملة "دعشنة"، تحرّض وتطالب بترحليها من مصر، لمجرد أنها تقدم إعلاماً مختلفاً عن الإعلام السلطوي. 


"دواعش" الدولة موجودن قبل ظهور "دواعش" الأيديولوجيا. بل لا مبالغة في القول، إنهم أحد الأسباب المهمة وراء ظهور الأخيرين. "دواعش" الأيديولوجيا هم الوريث والابن الشرعي لـ"دواعش" الدولة السلطوية العربية. هم "الحصاد" الطبيعي للدواعش الكبار، أمثال صدام حسين والقذافي ومبارك وعلي عبدالله صالح وبن علي والأسد الأب. 
لم تعد "الدعشنة" حالة فردية أو استنثاءً، وإنما أصبحت "ثقافة" وأسلوب حياة، لا يَفْرُق كثيراً بين دولة ومجتمع، أو جماعة وسلطة. الكل يمارسها، بشكل أو بآخر، تحت مسميات ومبررات مختلفة. 



No comments: