Wednesday, April 5, 2017

المجازر ضد الإنسانية وسقوط الحياد

رأي القدس




Link

لا يستطيع الإنسان، أكان مواطنا بسيطاً أو سياسياً أو إعلاميّاً، أن يكون حياديّاً أمام الشرّ. لا يمكننا ـ فقط لكوننا بشراً – أن نقوم بانتقاء المجازر وفرزها لتتناسب مع قناعاتنا وأيديولوجياتنا فنذمّ بعض القتلة ثم نصفح عن الآخرين.
الأخلاق، بهذا المعنى، هي الغاية الأعلى للسياسة لأنها أساس العدالة وبدونها يفقد الجنس البشريّ (والدول والقوانين والأديان) طريقه الذي اختطّه لنفسه وينحطّ بالتالي إلى مرتبة المجرمين والقتلة الذين يبنون عروشهم وعصاباتهم وثرواتهم بسفك الدماء وحرق المدن وقهر الرجال واغتصاب النساء وذبح الأطفال.
لقد اضطرت المجزرة الكيميائية الجديدة للنظام السوري في إدلب الكثير من السياسيين والإعلاميين والدول إلى اتخاذ مواقف، بدءاً من البيت الأبيض، الذي حاول تجاهل الأمر مدة 12 ساعة، ثم أطلق تصريحاً يلوم إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ثم أعلن عن توجّه وزير خارجيته ريكس تيلرسون إلى موسكو… لإجراء مباحثات.
الموقف الحقيقي لإدارة ترامب، برغم قنابل التصريحات الدخانية، هو نقل مقاولة إدارة أوباما الباطنية لروسيا وإيران في سوريا، لتغدو عملياً مقاولة صريحة لموسكو ثمنها الحفاظ على رأس النظام السوري (والقبول بالتالي بالمجازر التي يرتكبها) ومحاولة إبعاد إيران عن المشهد.
أما روسيا، فباعتبارها وصيّة على النظام السوري (ولظنّها ربما أنها أكثر قدرة منه على التلفيق)، فقد ناقضت رواية جيش بشار الأسد، الذي نفى «نفياً مطلقاً» قصف البلدة، وقالت إنه قصفها فعلاً ولكنّه أصاب ترسانة كيميائية للمعارضة، غير أن مخرجي القصة الروس لم يوضحوا لماذا قام النظام أيضاً بقصف المستشفيات التي نُقل إليها المدنيون للعلاج من الإصابات الكيميائية ثم لاحقت سيارات الإسعاف التي نقلت الجرحى وقتلتهم على معبر باب الهوى على الحدود التركية.
تتكشف المواقف الأكثر هبوطاً أخلاقياً (فروسيا وأمريكا بلدان ينظران إلى العرب نظرتهما إلى عدو) حين نقرأ تصريحات بعض الدول العربية، وعلى رأسها مصر، التي «أدانت القصف العشوائي في إدلب السورية»، وهي إدانة لا معنى لها لأنها لا تدين أحداً بعينه، وتحوّل حدث الإبادة الجماعية بالسلاح الكيميائي إلى «قصف عشوائي» ربما كان سكان المريخ مسؤولين عنه.
وفيما كان فلسطينيون في غزة ومتظاهرون في تركيا يعبرون عن تعاطفهم مع مدنيي خان شيخون، كان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري يحاضر دول العالم عن الأعباء الهائلة التي يمثلها اللاجئون السوريون إلى بلاده.
وفي الوقت نفسه كانت فصائل «اليسار» وبعض الأحزاب «القومية» في العالم العربي وإعلاميون محسوبون عليها تتوحّد مع فصائل الميليشيات الشيعية التابعة لإيران، ليس في تجاهل المجزرة فحسب، أو في تمويهها، كما فعلت أنظمة عربية، وليس في مساعدة الجاني على النجاة بجريمته، بل أيضاً بالتبرير له، بدعاوى من قبيل «لا يمكننا تبرئة أحد»، أو «نقف مع النظام العلماني الممانع»، بل إن بعضهم اعتبر قتل الأطفال والنساء مساهمة في «القضاء على الدواعش»، وكان عنوان إحدى هذه الصحف أكبر من خيال نظام الأسد نفسه حيث قالت: «الجيش السوري يصفّي عشرات الإرهابيين في مصنع كيميائي»، ولم تسأل الصحيفة نفسها كيف تواجد أكثر من عشرين طفلا في مصنع كيميائي للإرهابيين!
رغم أشكال التقنّع والتمويه، ورغم رفع البعض رايات العلمانية والمقاومة والممانعة، ورفع البعض الآخر رايات الحسين، مضافاً إليها طرق التهرّب والتعمية وخلط الأوراق، فإن ما يجمع هؤلاء جميعاً، أنهم مناصرون للاستبداد بطريقة أو بأخرى رغم ادعاءاتهم الكاذبة وتناقضاتهم الشكلية مع الاستبداد والاحتلال والاستعمار، وأن لديهم احتقاراً شديداً للبشر.
لا يمكن، بهذا المعنى، التلطّي وراء التنديد بمجازر إسرائيل في غزة، ومجازر ميانمار ضد المسلمين، وروسيا ضد الشيشان، وصربيا ضد البوسنة، ومجازر رواندا وجنوب السودان، إذا قبلت مجزرة رابعة العدوية، أو مجزرة خان شيخون، فكلّها جرائم ضد الإنسانية، والخيط الواصل بينها واضح.

No comments: